اللامذهبیة هی بدعة شرالقرون

مواقف اهل السنة والجماعة من ادعیاء السلفیة فی العصر الحدیث

اللامذهبیة هی بدعة شرالقرون

مواقف اهل السنة والجماعة من ادعیاء السلفیة فی العصر الحدیث

اللامذهبیة

بین یدی رسالة ) اللامذهبیة  قنطرة اللادینیة)
الدکتور: محمود أحمد الزین
کبیر الباحثین بدار البحوث للدراسات الإسلامیة بدبی
                    بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الذی هدى هذه الأمة بالقرآن، وجعله للتمییز بین الحق والباطل أفضل میزان، والصلاة والسلام على من اصطفاه الله تعالى لوحیه، ووکل إلیه التفسیر والبیان، وعلى آله وصحبه الذین بلغوه إلى العالمین، وشادوا للدین أعظم البنیان، ومن تبعهم إلى یوم القیامة بإحسان.
السلف الصالح وخصوصیتهم:
وقد خص الله تعالى هؤلاء الأصحاب وتابعیهم وتابعی تابعیهم بالشهادة على لسان رسوله صلى الله علیه وسلم أنهم خیر القرون من خیر أمة أخرجت للناس ـ لذلک اصطلح المسلمون على أن یسموهم السلف الصالح(1 ) ، فما جاء عنهم من علم وعمل فهو خیر أساس، وما خالف نهجهم فهو أوهام، وثمرات وسواس، وقد کان أئمة الفقه الأربعة: أبو حنیفة، ومالک، والشافعی، وأحمد ـ رضی الله عنهم ـ من خیرة العلماء فی آخر تلک القرون، بل کانوا فی ذلک القرن المبارک أئمة للعلماء العاملین، وقدوة للصالحین، ورثوا علم التابعین، وورث التابعون علم الصحابة، وورث الصحابة علم رسول الله صلى الله علیه وسلم، فنعم المورث، ونعم الوارث، یکفیهم شهادة حقٍ قولُ رسول الله صلى الله علیه وسلم: ”خیر الناس قرنی، ثم الذین یلونهم، ثم الذین یلونهم“؛ ولأجل هذه الخصوصیة اتخذهم الناس فی سائر القرون أئمة فی دینهم، وتدارسوا ما جاء عنهم من علوم الدین، فنظموه ورتبوه ، وفصلوا قواعده وفروعه، وأقاموا أساسه وأصوله، وبینوا ما اجتمعوا علیه، وما اختلفوا فیه تبعاً لاختیارهم مما اختلف فیه الصحابة والتابعون، أو وُجِدَ من المسائل فی عصرهم، وبینوا نهج کل إمام فیما اختار من الأحکام والأدلة، وما یتمیز به عن إخوانه من أولئک الأئمة، وسموا نهج کل منهم مذهباً، وتبعتهم الأمة، واختار کل واحد منها، أو کل جماعة اتباع من رأوه ـ بحسب اختلاف التقدیر والاختیار ـ أولى وأفضل، أو بحسب ما تیسر لهم تعلمه من هذه المذاهب، مع حسن الظن بالأئمة الآخرین، قال ابن تیمیة: ”فهذه المسائل التی تنازع فیها السلف والأئمة، فکل منهم أقر الآخر على اجتهاده... فمن ترجح عنده تقلید الشافعی لم ینکر على من ترجح عنده تقلید مالک، ومن ترجح عنده تقلید أحمد لم ینکر على من ترجح عنده تقلید الشافعی، ونحو ذلک(2 ) .
وقد کان هذا حالهم مع وجود نزر یسیر من الجهال، أو العلماء ـ الذین لم یزکوا نفوسهم من العصبیة ـ ینظرون إلى غیر مذهبهم نظرة استصغار، ویجادلونهم جدال من لا یهمه الحق، ولکن یهمه الظهور والانتصار، وکان العلماء الأتقیاء والمخلصون الصلحاء ـ من کل مذهب ـ یجتهدون فی ردع المتعصبین، ویکفونهم عن التفرقة بین المسلمین.
ظهور اللامذهبیة:
وظل الأمر على ذلک طول تاریخ الأمة الإسلامیة إلى أن صرنا فی آخر الزمن، فإذا فئة من المسلمین تتهم أکثریة الأمة الإسلامیة بأنها خرجت ـ باتباعها هذه المذاهب الأربعة ـ عن طریق السلف الصالح أهل القرون الثلاثة، کأن أحکام الشریعة التی ورثها الأئمة الأربعة عن الصحابة والتابعین ـ ونظمها تلامیذ الأئمة الأربعة حسب منهاج کل منهم فی الترجیح ـ شیء آخر غیر ما ذهب إلیه أولئک السلف الصالحون، وإذا هتاف شدید یرفعه اللامذهبیون: اترکوا المذاهب الأربعة واتبعوا مذهب السلف، فإن ترک مذهب السلف بدعة ضلالة.
هل یأذن اللامذهبیون أن نقول لهم: على رسلکم: إن أصحاب المذاهب الأربعة: مالکاً وأبا حنیفة والشافعی وأحمد( 3) هم من السلف الصالح، أهل القرون الثلاثة، التی أثنى علیها رسول الله صلى الله علیه وسلم، حین سئل أی الناس خیر؟ فقال: (قرنی ثم الذین یلونهم ثم الذین یلونهم ( 4).
ولکن اللامذهبیین لا یرضون هذا الجواب، فیقولون: لیس اتباع السلف هو اتباع واحد منهم، بل هو اتباع جمیع السلف.
ما أجمع علیه السلف:
فلیأذن لنا اللامذهبیون أن نقول لهم: إن کنتم تدعوننا إلى اتباع ما اتفق علیه السلف فهذا قد اتفق علیه جمیع أهل السنة، وهو موجود فی کل واحد من المذاهب الأربعة لا یترکونه، واتباع مذهب منها یکون فی ضمنه اتباع ما اتفق علیه السلف.
لکن بعض اللامذهبین ینکرون علینا هذا القول، ویقولون: قد خالفتم السلف فیما أجمعوا علیه، فأنتم تصلّون عند القبور خلافاً لهم، وتدعون عندها، وتتوسلون بأصحابها، وتقرؤون القرآن لأصحابها.
والجواب على ذلک: أن دعوى الإجماع هنا زعم لا مستند له، ویتضح ذلک من موقف بعض أئمة السلف فی المسائل المذکورة:
1
ـ الصلاة عند القبور: قال عنها الإمام مالک فی مدونته (1/90): ”لا بأس بالصلاة فی المقابر“ وهو من کبار أئمة السلف، وروى مسلم برقم (2493) عن عائشة&: ”أنها کانت تصلی فی حجرتها“ وفیها ثلاثة قبور، وقال ابن تیمیة فی الفتاوى (21/304): ”المقبرة وأعطان الإبل تصح الصلاة فیهما على القول الصحیح“، فأین الإجماع؟!
2
ـ الدعاء عند القبور سنة نبویة، کما روى مسلم عن بریدة برقم (975) وفیه: أن النبی صلى الله علیه وسلم کان یعلمهم أن یقولوا إذا خرجوا إلى المقابر: (أسأل الله لنا ولکم العافیة) وهو دعاء الزائر لنفسه ولغیره وللأموات، ونقل ابن تیمیة فی کتابه ”الرد على الإخنائی“ ص (405) دعاءً مطولاً فی زیارة قبر النبی صلى الله علیه وسلم، وفی جملة هذا الدعاء یقول ص(536) من الرد: ”وسل الله حاجتک متوسلاً إلیه بنبیه تقض من الله عز وجل“ فأین الإجماع؟!
3
ـ وأما قراءة القرآن: فقال ابن تیمیة فی الفتاوى (24/315): ”وأما الصیام عنه، وصلاة التطوع عنه، وقراءة القرآن عنه، فهذا فیه قولان للعلماء: أحدهما: أنه ینتفع به، وهو مذهب أحمد وأبی حنیفة وغیرهما، وبعض أصحاب الشافعی وغیرهم“، وقال فی (24/366): ”تنازعوا فی وصول الأعمال البدنیة کالصوم والصلاة والقراءة، والصواب أن الجمیع یصل إلیه“ فأین الإجماع؟!
ما اختلف فیه السلف:
فهذا الذی اختلف فیه السلف، أو لم یتکلم فیه بعض السلف کیف یمکن اتباع جمیعهم فیه؟ فمن اتبع بعضهم ترک بعضهم الآخر؟ ولا یعقل أن یکون أحدهما مذهب السلف دون الآخر، ما دام القولان مما قاله علماء من السلف!! بل الجمیع من مذهب السلف.
هل القول الراجح هو مذهب السلف:
یقول اللامذهبیون: انظروا فی أدلة المختلفین، واتبعوا الدلیل الأقوى. فنقول لهم: فلنفرض أنکم وازنتم بین الأدلة، واستطعتم أن ترجحوا الأقوى، هل الترجیح یعطی صاحبه الحق فی تضلیل مخالفیه وتبدیعهم کما تفعلون؟! وهل یعطیه الحق فی أن یحکم على کل الأئمة الذین خالفوه بأنهم فاتهم أن یطلعوا على الدلیل، أو فاتهم أن یفقهوه، مع ما عرف عنهم من التبحر فی العلم والتقوى، ومع ما نحن علیه من قلة الحظ منهما؟!
ثم لا بد لنا أن نسألهم: هل القول الأقوى دلیلاً عند قائله هو مذهب السلف؟ إذا صح هذا فکل صاحب قول یقتنع بدلیله أنه الأقوى یستطیع أن یقول: أنا على مذهب السلف، وإذا تعلم أدلة جدیدة دفعته إلى الرجوع عن قوله، وترجح ما کان عنده مرجوحاً صار هذا الجدید هو مذهب السلف، والآخر بدعة ضلالة مخالفاً لمذهب السلف!! ویتعدد مذهب السلف حینئذٍ، وکل یدعیه لنفسه، ثم إن ما یقوله أی إنسان بعد السلف ـ مهما کان دلیله قویاً ـ فی نظره ونظر موافقیه فذلک قوله هو لاقول السلف، ونسبته إلیهم باطلة، وتزکیة للنفس، والله تعالى یقول: {فَلَا تُزَکُّوا أَنفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم/32]، وانتقاصاً لمخالفیه، والله تعالى یقول: { ولا تلمزوا أنفسکم }[الحجرات/11 .
وإذا کان مایراه أحدنا أقوى دلیلاً هو مذهب السلف، فقد صرنا نحن میزان علم السلف، ولیس علمهم هو المیزان لنا، وهذا عکس المقصود من اتباع السلف.
من الذی یرجح بین الأدلة:
ثم إن الموازنة بین الأدلة واختیار الأقوى أمر یحتاج إلى أهلیة خاصة، کما نقل فی مسودة آل تیمیة ص (515) عن الإمام أحمد فی روایة یوسف بن موسى: ”لا یجوز الاختیار إلا لرجل عالم بالکتاب والسنة“ فهل هذا ممکن لکل من یدعیه، وهل العلم بالکتاب والسنة شیء قلیل لیحصل بزمن یسیر؟ فأقل ما یمکن هو أنه یحتاج إلى معرفة قواعد الحدیث فی الموازنة بین الروایة الضعیفة والصحیحة، وإلى الموازنة بین الأدلة المختلفة من جهة الإسناد لیقدم الأقوى على الأقل قوة، وإلى الموازنة بین عامها وخاصها، وناسخها ومنسوخها، وکیف یمکن الجمع بینها، أو ترجیح بعضها على بعض، وهذا یحتاج إلى خبرة واسعة فی علم الحدیث، وإلى علم الناسخ والمنسوخ، وعلم اللغة العربیة، وعلم الأصول، وهذا لا یستطیعه أکثر الناس، ومن یستطیعه یحتاج إلى زمن لیتعلمه، والترجیح قبل التعلم أو بدونه إما عدوان على أدلة الشریعة، کما روى الترمذی عن ابن عباس عن النبی صلى الله علیه وسلم: (من قال فی القرآن بغیر علم فلیتبوأ مقعده من النار)، وإما تقلید لقول شیوخه، ولا یقدر على ترجیحه، فیزعم الترجیح بدون أهلیة، وهی دعوى ینقضها الواقع.
واجب من لم یتأهل للترجیح:
وإذا کان الإنسان قبل الأهلیة لا یمکنه أن یتبع الدلیل الأقوى فماذا یفعل؟
قال ابن قیم الجوزیة عن الأئمة المجتهدین(5 ) : ”فی مسائل من العلم لم یظفروا فیها بنص عن الله ورسوله، ولم یجدوا فیها سوى قول من هو أعلم منهم فقلدوه، وهذا فعل أهل العلم، وهو الواجب، فإن التقلید إنما یباح للمضطر“، وقال قبل ذلک: ”وکل من اشتبه علیه شیء وجب أن یکله إلى من هو أعلم منه، فإن تبین له صار عالماً مثله، وإلا وکله إلى عالمه“(6 )، وإذا کان هذا واجب العلماء المجتهدین، فمن لم یحصل العلوم التی یمکنه بها الترجیح أولى بالتقلید؛ لأن مسائل الخلاف کلها تشتبه علیه قبل أن یحصل القدرة على الاختیار، وهی العلم بالکتاب والسنة ـ کما تقدم عن الإمام أحمد بن حنبل ـ وهذا النوع من الناس یعبر عنه العلماء باسم المستفتی، کما نقل فی المسودة(7 ) : ”فأما صفة المستفتی فهو العامی الذی لیس معه ما ذکرنا من آلة الاجتهاد“. والعامی لیس هو الأمی، بل هو کما صرح به فی المسودة ”من لیس معه آلة الاجتهاد“.
ومن لم یقدر على البحث والنظر فی الأدلة والترجیح کیف یستطیع أن یناقش المفتی فی الأدلة، ولذا صرح ابن تیمیة بمنعه من ذلک فقال فی المسودة( 8) : ”لا ینبغی للعامی أن یطالب المفتی بالحجة فیما أفتاه، ولا یقول له: لم، ولا کیف، فإن أحب أن تسکن نفسه بسماع الحجة سأل عنها فی مجلس آخر، أو فیه بعد قبول الفتوى مجردة عن الحجة“؛ وذلک لأنه لا یعرف کیف یفقه الحجة، وإذا قال: أنا لا أتبع إلا الحجة من الکتاب والسنة کان متناقضاً، ومخالفاً لنفسه، بل هو تابع لجهله بالکتاب والسنة، مخالف لقوله تعالى: { ولا تقْفُ ما لیس لک به علم }[الإسراء/36.
وبهذا یظهر الفرق بین العالم الذی یجب علیه أن یتبع الدلیل، ویختار الدلیل الأقوى، وبین غیره ممن یجب علیه التقلید، وبه یعلم أیضاً أن الأئمة ـ الذین أمروا الناس باتباع الدلیل، ونهوهم عن التقلید ـ کانوا یخاطبون بذلک العالم بالکتاب والسنة، کما نقل المزنی فی مقدمة مختصره: أن الشافعی ینهى عن تقلیده وتقلید غیره.
وفی هذا التفصیل قال ابن قیم الجوزیة(9 ) : ”أما من قلد فیما ینزل به عالماً یتفق له على علمه... فمعذور؛ لأنه قد أدى ما علیه، وأدى ما لزمه فیما نزل به لجهله، ولا بد له من تقلید عالم فیما جهله“، وحینئذ یکون متبعاً للکتاب والسنة بواسطة من قلده، ولا یستطیع غیره، ولا یکلف الله نفساً إلا وسعها.
ثم یقول: ”ولکن من کانت هذه حاله هل یجوز له الفتیا فی شرائع دین الله؟ فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى لحفظه الفروع لزمه أن یجیزه للعامة، وکفى بهذا جهلاً ورداً للقرآن“، وبهذین الکلامین، والمقارنة بینهما یظهر أن الدعوة إلى اتباع الدلیل موجهة إلى من عنده أهلیة الفتوى، أما غیره فلا بد له من تقلید عالم فیما جهله، کما قال الله تعالى: { فسْئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون }[النحل/43]، أی یسأل کلٌ عما یجهله، کحافظ السنة الذی لا یفقهها، قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: (رب حامل فقه لیس بفقیه)، فهذا لا یسألهم عن السنة؛ لأنه یحملها، ولکن یسأل عن فقهها.
یقول اللامذهبیون: إن تقلید العالم واجب على من لم یعرف خطأ العالم، أما من عرفه، وعرف الدلیل على خطئه، فکیف یجوز أن یترک الدلیل ویقلد بعدما عرف أن العالم الذی کان یقلده مخطئ؟
وجواب هذه الشبهة: أن نسألهم من الذی یستطیع أن یکشف خطأ العالم، ویعرف أن قول غیره هو الصواب؟ أهذا ممکن لکل من قرأ الدلیل أو حفظه، أم هو خاص بمن هو أهل لأن یفقهه، کما قال رسول الله صلى الله علیه وسلم؟ فإن قالوا: خاص بمن له أهلیة لأن یفقهه، وهو الذی عنده أهلیة الاختیار فی مسائل الاختلاف، ولیس لمن لیس له الأهلیة إلا التقلید. قلنا: هذا حق، ولکن ما یراه الناس منکم: هو أن کلاً منکم حتى الأمی یقول: أنا لا أقلد أحداً، بل أتبع الکتاب والسنة، ولا یکتفی بذلک، بل یتهم کل من خالفه بالبدعة الضلالة، وبالإعراض عن الکتاب والسنة ومذهب السلف.
هل اتباع العلماء للمذاهب عصبیة:
یقول اللامذهبیون: نحن لا ننکر هذه الأقوال التی قالها العلماء، ولکن ننکر تعصب العلماء الذین یستطیعون اتباع الدلیل الأقوى، ثم یترکون ذلک ویتبعون المذهب الذی نشؤوا علیه، وننکر تعصب غیر العالم حین یلتزم مذهب عالم واحد طول حیاته، وکلاهما بدعة لم تکن على عهد السلف الصالح.
وجواب هذه الشبهة یسیر: فالعالم الذی یستطیع الترجیح لا بد أن یکون عالماً بالکتاب والسنة، کما قال الإمام أحمد، وهذا أمر کبیر ترونه أنتم هیناً یسیراً، ویرونه هم أمراً کبیراً، لا یطیقه إلا أولو العزم من العلماء، والتزامهم بمذهب أحد الأئمة لیس عصبیة، ولکنه خشیة من أن یقولوا فی دین الله بلا تثبت، وذلک تقدیر لمسؤولیة العلم بالکتاب والسنة، وفقه الکتاب والسنة، وأنتم فی الواقع حتى العلماء منکم ملتزمون بما یقوله جماعة من العلماء، هم أهل مذهبکم، لا تخرجون عن ذلک، فلم کان التزامکم حقاً، وکان التزامهم عصبیة؟! فأنتم تزعمون أن فهم علمائکم للکتاب والسنة هو الکتاب والسنة نفسهما، وأن فهم العلماء الآخرین ـ وإن کانوا من الأئمة الأربعة ـ شیء آخر غیر الکتاب والسنة، ومخالفکم یمکن أن یدعی ذلک، ولکن هذا تزویر فی الموازنة یؤدی ـ إذا سمعه من لا یتفهم الأمور حقیقة الفهم ـ أن ینحاز إلى فهم علمائکم، ویتخذه مذهباً، فهذه دعایة کالدعایات السیاسیة والتجاریة والعصبیة، ثم تزعمون أن کل ما أنتم علیه هو الحق، وما سواه ضلال وبدعة وخروج عن مذهب السلف، وهو لا یخالف إلا فهمکم وفهم علمائکم، وتزعمون أنه لا یتخلص أحد من العصبیة إلا أن یوافقکم على أقوال علمائکم وشیوخکم، فحینئذٍ فقط یکون متبعاً للکتاب والسنة ومذهب السلف!! فأنتم میزان العلم والسلف، وأنتم الحکم فی اختلافهم، ولکم وحدکم حق تضلیل الآخرین، دون أن تسمحوا لأتباعکم بالاطلاع على أدلة أقوال الآخرین؛ لأنها عندکم بدعة، ولأن النظر فی کتب البدع محرم، ویجب مقاطعتها ومقاطعة أهلها والبراءة منهم، ألیست عصبیتکم أشد؛ لأن ما هم علیه لا تضلیل فیه للآخرین، ولا تبدیع لمخالفهم.
فلنفرض أنکم فیما قلدتم وافقتم الصواب، وإن کان هذا لا یعلمه إلا الله، ولا یعلمه الناس حتى المجتهد فی اتباع الدلیل، کما قال رسول الله صلى الله علیه وسلم(10 ) فی وصیته لبعض قادة جیشه: (وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوک على أن تنزلهم على حکم الله، فلا تنزلهم على حکم الله، ولکن أنزلهم على حکمک، فإنک لا تدری أتصیب حکم الله فیهم أم لا)، فهل من حقکم أن تحتکروا الصواب لأنفسکم، وما الفرق بینکم وبین المقلدین الآخرین؟
فالفرق بینکم وبینهم أنهم یعترفون بالتقلید وأنکم تسمون تقلیدکم اتباعاً للدلیل؛ لأنکم تظنون أنه بمجرد أن تطلعوا على أدلة علمائکم وترجیحهم لها تکونون مرجحین متبعین للدلیل، لا مقلدین لهم.
قراءة الأدلة دون أهلیة:
و الأحادیث دلت على أن الاطلاع والقراءة لیسا هما فقه الکتاب والسنة، فقد قال رسول الله صلى الله علیه وسلم عمن یحفظ الحدیث ولیس لدیه أهلیة فقه الحدیث: (رب حامل فقه لیس بفقیه) فهو یصرح بأنه لیس کل من حمل الحدیث یصیر فقیهاً فیه، أی لیس کل محدث فقیهاً، وأولى من حامل الحدیث بهذا من قرأه ولم یحفظه، وهذا واضح فی کلام الإمام أحمد.
ففی المسودة(11 ) : نقل عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبیه، أنه قال: ”سألت أبی عن الرجل تکون عنده الکتب المصنفة فیها قول رسول الله صلى الله علیه وسلم واختلاف الصحابة والتابعین، ولیس للرجل بصر بالحدیث الضعیف والمتروک، ولا الإسناد القوی من الضعیف، فیجوز أن یعمل بما یشاء، ویتخیر ما أحب منها، فیفتی به ویعمل به؟ قال: لا یعمل به حتى یسأل ما یؤخذ به منها، فیکون یعمل على أمر صحیح، یسأل عن ذلک أهل العلم“، فهذا حکم من قرأ الکتب، لا یعمل حتى یسأل أهل العلم عن القوی والضعیف، ویظل یسأل حتى یکون عالماً بالکتاب والسنة، قادراً على فقههما بنفسه، فإن زعم قبل ذلک أنه یتبع الدلیل فهو عامل بجهله فی الکتاب والسنة، وقد سبق ذکر حدیث رسول الله صلى الله علیه وسلم القائل: (من قال فی القرآن بغیر علم فلیتبوأ مقعده من النار.
هل یجب عدم الالتزام بمذهب:
أما القول فیمن یسألهم: فلم یأت فی القرآن والسنة أن یسأل واحداً أو أکثر، أو أن یسأل فی کل مرة عالماً، غیر الذی سأله أول مرة؛ لأن الله تعالى قال: { فسْئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون }[النحل/43]، واللامذهبیون یزعمون أنه لا یجوز التزام قول عالم واحد؛ لأنه التزام بقول غیر معصوم، فهل إذا سأل عالماً آخر فی الخلافیات یکون عاملاً بقول معصوم، مهما کثر الذین یسألهم؟! وهم یزعمون هذا دون أن یقدموا دلیلاً، أو نقلاً عن أحد من أئمة السلف: أن هذا لا یجوز، فکیف یکون هذا هو مذهب السلف وقد قال عن عبد الرحمن بن القاسم تلمیذ مالک ـ وهما من السلف ـ إنه لم یکن یسأل غیر مالک؟! إنما هو قولهم هم، أحدثوه فی آخر الأزمان، وإذا سأل واحداً من علمائهم رضوا عنه، مهما لازمه من السنین، کما هم یفعلون، فهل هذا التزام بقول المعصوم؟! أم أن هذا خصوصیة لهم؛ لأن ما یفهمونه من السنة هو السنة نفسها، وما یفهمه مخالفهم من الأئمة وأتباعهم شیء آخر غیر الکتاب والسنة، بل مخالف لهما؟!
هل الخلاف المذهبی یفرق الأمة؟
هنا یقول لنا اللامذهبیون: إن الخلافات المذهبیة جعلت هذه الأمة أحزاباً، والله تعالى یقول: {إن الذین فرقوا دینهم وکانوا شیعاً لست منهم فی شیء}[الأنعام/159]، ویقول: { ولا تکونوا کالذین تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البینت وأولئک لهم عذاب عظیم }[آل عمران/105]، فترک المذاهب واجب حفاظاً على وحدة الأمة، وهذه المذاهب فرضتها السیاسات الغاشمة، کل ملک یفرض على الناس مذهباً، حتى فرقوا الناس هذا التفرق الکبیر.
ونقدم المعذرة إلى اللامذهبین عن قبول هذه المغالطة، فهاتان الآیتان وضعوهما فی غیر الموضع الذی أنزلتا فیه، فهاتان الآیتان فی تفریق الدین، والاختلاف علیه بعد مجیء البینات، التی تقطع الخلاف، کما صرحت الآیة الکریمة، وهذا شیء آخر غیر الخلاف الاجتهادی، والدلیل على ذلک أمران:
أولهما : أن الخلافات الاجتهادیة کانت موجودة فی القرون الثلاثة، التی قال فیها رسول الله صلى الله علیه وسلم: (خیر الناس قرنی، ثم الذین یلونهم، ثم الذین یلونهم)، فمن دعا الأمة إلى أن تکون کلها على القول الذی ترجح عنده، وزعم أن ذلک مذهب السلف، فهو مناقض لما کانوا علیه.
فصاحب هذه الدعوة یرید أن یحقق للأمة الوحدة فی الخلافات الفقهیة، ویحقق لهم ما عجز عنه السلف، ولم یهتموا به، ولم یسعوا إلیه، وإذا کان السلف مع تمام علمهم وتقواهم قد اختلفوا فی هذه المسائل، فهل یمکننا أن نتفق مع نقص العلم والتقوى، أم أن اختلافنا سیکون أشد؟ ترى أهذه دعوة تؤدی إلى الوحدة، أم إلى تمزیق الأمة وصراعها، لدرجة إراقة الدماء، کما هو واقع ومشاهد من آثار هذه الدعوة؟!
ثانیهما : أن ابن تیمیة سئل عن صلاة أهل المذاهب الأربعة خلف بعضهم؟ فقال فی الفتاوى (23/374): ”نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض، کما کان الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، ومن بعدهم من الأئمة الأربعة یصلی بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم فی هذه المسائل المذکورة وغیرها، ولم یقل أحد من السلف إنه لا یصلی بعضهم خلف بعض، ومن أنکر ذلک فهو مبتدع ضال، مخالف للکتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد کان الصحابة والتابعون ومن بعدهم منهم من یقرأ البسملة، ومنهم من لا یقرؤها... ومنهم من یقنت فی الفجر، ومنهم من لا یقنت، ومنهم من یتوضأ من الحجامة والرعاف والقیء، ومنهم من لا یتوضأ، ومنهم من یتوضأ من مس الذکر ومس النساء بشهوة، ومنهم من لا یتوضأ... ومع هذا فکان بعضهم یصلی خلف بعض“، ثم قال ص (377): ”وقول القائل: إن المأموم یعتقد بطلان صلاة الإمام خطأ منه، فإن المأموم یعتقد أن الإمام فعل ما وجب علیه، وأن الله قد غفر له ما أخطأ فیه، وأن لا تبطل صلاته لأجل ذلک“، فمن زعم أنها بدعة فقد رد على قول رسول الله صلى الله علیه وسلم: (إذا حکم الحاکم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)، والله لا یأجر على البدعة، بل هی فی النار، وصاحبها له عذاب عظیم، کما قال الله تعالى فی الآیة السابقة: { لهم عذاب عظیم }، فالآیتان فی الخلاف المعاند للبینات، لا فی الخلاف الناشیء عما یشتبه من الأحادیث والآیات، وکیفیة فقهه، والفرق بین الأمرین عظیم جداً لا تقارب فیه، وبهذا یظهر أن الصلاة خلف المتوسلین برسول الله صلى الله علیه وسلم بعد موته صحیحة؛ لأنهم اتبعوا فی هذه المسألة إمام هدى، هو أحمد بن حنبل رحمه الله، سواء أخطأ فی اجتهاده أو أصاب، والقائل بأن الصلاة خلفهم لا تصح مخالف لأئمة الهدى.
أما مسألة أن هذه المذاهب فرضتها السیاسات الغاشمة: فالمذاهب کلٌ منها انتشر حیث وجد العلماء الذین یعلمونه للناس، ولکن أخبرونا کیف نشرتم اللامذهبیة؟ ألم تفرضوها فی کل موضع لکم فیه سلطة، فتمنعون العلماء الآخرین أن یعلموا الناس ما عندهم، وتفرضون علماءکم على الناس، وتؤذون العلماء الذین لیسوا على منهجکم، وتبعدونهم عن کل بلد لکم فیه سلطة، فأنتم تتهمون الناس بما هم برآء منه وبما أنتم واقعون فیه.
ما هو مذهب أهل الحدیث؟
وکثیراً ما یقول اللامذهبیون: لماذا تترکون مذهب أهل الحدیث، وتتبعون مذاهب الفقهاء، فأهل الفقه کل واحد منهم یتعصب لمذهبه، وأهل الحدیث لا یتعصبون إلا لحدیث رسول الله صلى الله علیه وسلم؟!
والجواب: أن هذه مغالطة، فإن الأئمة الأربعة کانوا من علماء الحدیث، والمحدثون أکثرهم تابع لمذهب واحد من الأربعة، فالإمام مالک کان فی عصره إمام أهل الحدیث، وکذلک الإمام أحمد، والشافعی مع أنه لم یکن مثلهما فی الحدیث، لکن کان من کبار أهل الحدیث، حتى سمی ناصر السنة، ولا یمکنه أن ینصر السنة دون علم واسع بها، ولو لم یکن حصّل من الحدیث ـ إلا أنه لازم فترة طویلة کلاً من الإمامین مالک وسفیان بن عیینة، یأخذ عنهما ـ لکان عنده حدیث کثیر جداً، وأما الإمام أبو حنیفة فیکفیه عملاً بالحدیث ما بینه الإمام المحدث الطحاوی من موافقته للأحادیث فی کل فقهه، وأما شهرته بالرأی فلأمرین: أولهما: کثرة تدقیقه وتعمقه فی فهم السنة والقیاس علیها. وثانیهما: کثرة اعتماده على فقه سیدنا عبد الله بن مسعود ومنهجه، حیث کان ابن مسعود یتجنب الروایة عن رسول الله صلى الله علیه وسلم مهما أمکنه؛ خوفاً من الخطأ فی الروایة، فالناس یستطیعون أن یردوا علیه فی الفقه إذا أخطأ، ولکن إذا أخطأ فی الروایة عن النبی صلى الله علیه وسلم یتناقل ذلک الناس، ویستمر الخطأ، وقد بین العلماء تفصیل موقف الإمام أبی حنیفة فی کتب خاصة، من تأملها عرف حرصه على اتباع الأحادیث النبویة، وقد اشتهر عنه أنه یرجح العمل بالحدیث الضعیف على القیاس، خلافاً لما یشیعه خصومه.
وأما أولئک الذین یهاجمون مذاهب الفقهاء الأربعة، ویزعمون أنهم ینتصرون للحدیث الشریف، فقد أظهرت مؤلفاتهم تعصبهم للعلماء الذین یحبونهم، بحیث ضعفوا ما یخالفهم، وإن کان صحیحاً، وصححوه وإن کان ضعیفاً، مع أنهم یزعمون أنهم لا یتعصبون إلا للحدیث الشریف، فهی دعوى ینقضها واقعهم.
هل اتباع المذاهب بدیل للأدلة؟
بعد هذا کله بقیت أشد التهم التی یرمیها اللامذهبیون على سائر أمة الإسلام ـ التی لا تسیر على خطاهم، ولا ترضى أن تجعلهم قادتها ـ وهی أنهم یقولون لهم: إن الله تعالى فرض طاعته وطاعة رسوله صلى الله علیه وسلم، وأنتم جعلتم طاعة الأئمة بدیلاً عن طاعة الله ورسوله صلى الله علیه وسلم، ولو کانت طاعة العلماء مقبولة لکان الصحابة أحق بهذا من الأئمة الأربعة وغیرهم من العلماء.
وجواب هذا أن الأئمة الأربعة لیسوا بدیلاً عن الله ورسوله، ولیست کتبهم مزاحمة لکتاب الله وسنة رسوله، ولکنها شرح لهما، وبیان وعون لمن یرید أن یفقه عن الله ورسوله آیات الکتاب والسنة.
وکذلک لیس الأئمة الأربعة بدیلاً عن الصحابة رضی الله عنهم، ولا منازعین مزاحمین لهم، فالصحابة لم یکتبوا کتباً، وما تکلموا من الفقه، إلا فی المسائل التی وجدت فی زمانهم، ولا تکلم کل منهم فی کل المسائل، فمن یرید أن یتبعهم لا یمکنه ذلک إلا إذا جمع کل ما قالوه، وهذا ما فعله الأئمة المجتهدون الأربعة وأمثالهم، فالذی فعله کل منهم هو أنه جمع ما تفرق من فقه الصحابة والتابعین للکتاب والسنة، وعمل بما اتفقوا علیه، ورجح عند اختلافهم ما رآه راجحاً حسب قواعد الروایة وقواعد فقه الکتاب والسنة، التی علمها واختلفوا فی الترجیح کما اختلف الصحابة، فهم خدموا علم الصحابة والتابعین، وما فضلت الأمة اتباعهم على غیرهم إلا لخدمتهم الکتاب والسنة وفقه الصحابة رضوان الله علیهم، وأما الإعراض عن فقههم فهو تفریط بعلم الکتاب والسنة، کما یأتی تفصیله فی رسالة العلامة الکوثری ـ رحمه الله ـ.
لا ینکر على من اختار إماماً دون الآخرین:
فإن قیل لنا: لماذا اقتصرتم على هؤلاء الأربعة، مع أن أئمة الاجتهاد فی عصر السلف کثیرون؟!
فالجواب: أن الأمة فضلت اتباعهم من باب الاختیار فیما تختلف وجهات النظر فیه، ولا یلزم فیه المرء بشیء، ولم یکن ذلک انتقاصاً للأئمة الآخرین، ولکن لأنها رأتهم جمعوا أکثر ما یمکن من فقه الصحابة والتابعین، ووثقوا ما ثبت ، وترکوا ما لم یثبت، وشرحوا ذلک، ووفقوا بین المختلف منه إذا أمکن، واعتمدوا فی الترجیح على موازین دقیقة أمنیة، ولأنها رأتهم أفضل فی العمل والتقوى من معاصریهم، ووجدت أکثر علماء عصرهم وما بعده وافقوهم، ووجدت أن مذاهبهم خدمت کثیراً بالمراجعة والمدارسة، وطول البحث، والنظر فیما هو أنسب لوقائع الحیاة، فاختارتهم دون غیرهم، وهذا واقع یعرفه کل العلماء، وإن غاب عن غیرهم، فالذی یرید أن یستغنی عنهم یضیع هذا الجهد العلمی الکبیر الواسع، الذی جمعه وحققه الأئمة الأربعة، وتبعهم تلامیذهم فی دراسته وتنقیحه، هذا إذا کان من أهل العلم.
وأما فتح الباب لأنصاف العلماء وأشباه العلماء، أو عموم الناس أن یتکلموا فی الفقه، ویختاروا ما یشاؤون منه، دون أهلیة، ودون معرفة بقواعد فهم الأدلة، فهو أمر ینتهی إلى التلاعب بآیات القرآن وأحادیث النبی صلى الله علیه وسلم وضیاع الدین کله، والعیاذ بالله تعالى. وهذه هی القنطرة التی یُتخذ فیها الهوى دیناً، وتؤدی إلى اللادینیة.
والله یهدی من یشاء إلى صراط مستقیم.
وبعد فهذه کلمة قدمتها بین یدی رسالة العلامة المحدث الفقیه الأصولی الشیخ (زاهد الکوثری): ”اللامذهبیة...“ ، وهو وکیل الشیخ (مصطفى صبری) فی منصب شیخ الإسلام فی الخلافة العثمانیة، وقد نال الشیخ زاهداً أذى کثیر بسبب هذه الرسالة وأمثالها، مما رد فیه على اللامذهبیین، ووجهت إلیه حملات تشویه کبیرة، فکل من رد على اللامذهبیین رموه بتهم کثیرة، أقلها تهمة البدعة الضلالة، والمنصف من بحث ونظر، وخشی الله فی بحثه ونظره، ثم حکم من المبتدع، ومن تابع السنة، والجمیع سیقفون بین یدی الله أحکم الحاکمین

(ربنا افتح بیننا وبین قومنا بالحق وأنت أحکم الحاکمین )

(ربنا آتنا من لدنک رحمة وهیئ لنا من أمرنا رشداً)

 

(1)   ومن المغالطة فی ترویج اللامذهبیة أن کتابها یطلقون فی کثیر من الأحیان اسم السلف على العلماء الذین اختاروا اتباعهم وعلى مشایخهم فی هذا العصر فهی تسمیة لو صحت لغة لما صحت ورعاً لأنها من تزکیة المرء لنفسه وترفعه على إخوانه المسلمین بلاحق.

(2)     مجموع الفتاوى (20/292)

(3)   لم یعد الحافظ ابن حجر الإمام أحمد فی أهل القرون الثلاثة وهذا لایطعن فی منزلته حدیثاً أوفقهاً على أن حدیث خیر القرون له روایة ذکرت القرن الرابع فیکون الإمام أحمد منهم بل من کبارهم.

(4)     صحیح البخاری برقم (6282) وصحیح مسلم برقم (2533)

(5)     إعلام الموقعین (2/184)

(6)     إعلام الموقعین (2/177)

(7)     ص (517)

(8)     ص (554)

(9)     إعلام الموقعین (2/138)

(10) رواه مسلم برقم 1731

(11) ص 517

 

 

       اللامذهبیة قنطرة اللادینیة

        للعلامة الکوثری رحمه الله            

                بسم الله الرحمن الرحیم
لا تجد بین رجال السیاسة - على اختلاف مبادئهم - من یقیم وزناً لرجل یدعی السیاسة ولیس له مبدأ یسیر علیه ویکافح عنه باقتناع وإخلاص ، وکذلک الرجل الذی یحاول أن یخادع الجمهور قائلا لکل فریق : أنا معک .
ومن أردإ خلال المرء أن یکون إمعة ، لا مع هذا الفریق ولا مع ذلک الفریق ، وإن تظاهر لکل فریق أنه معه . وقدیما قال الشاعر العربی
یوما یمان إذا لاقیت ذا یمن = وإذا لقیت معدیا فعدنانی
ومن یتذبذب بین المذاهب منتهجا اللامذهبیة فی الدین الإسلامی فهو أسوأ وأردأ من الجمیع .
وللعلوم طوائف خاصة تختلف مناهجهم حتى فی العلم الواحد عن اقتناع خاص ؛ فمن ادعى الفلسفة من غیر انتماء إلى أحد مسالکها المعروفة ، فإنه یعد سفیها منتسبا إلى السفه ، لا إلى الفلسفة ، والقائمون بتدوین العلوم لهم مبادئ خاصة ومذاهب معینة حتى فی العلوم العربیة لا یمکن إغفالها ، ولا تسفیه أحلام المتمسکین بأهدابها لمن یرید أن یکرع من ینابیعها الصافیة .
ولیس ثمة علم من العلوم عنی به العلماء عنایة تامة على توالی القرون من أبعد عهد فی الإسلام إلى أدنى عهوده القریبة منا مثل الفقه الإسلامی ، فالنبی - صلى الله علیه وسلم – کان یفقه أصحابه فی الدین ، ویدربهم على وجوه الاستنباط ، حتى کان نحو ستة من الصحابة – رضوان الله علیهم أجمعین – یفتون فی عهد النبی – صلى الله علیه وسلم - .
وبعد انتقاله إلى الرفیق الأعلى استمر الصحابة على التفقه على هؤلاء ، ولهم أصحاب معروفون بین الصحابة والتابعین فی الفتیا ، فالمدینة کانت مهبط الوحی ، ومقر جمهرة الصحابة إلى آخر عهد ثالث الخلفاء الراشدین ، وعنی کثیر من التابعین من أهل المدینة بجمع شتات المنقول عن الصحابة من الفقه والحدیث ، حتى کان للفقهاء السبعة من أهل المدینة منزلة عظیمة فی الفقه ، کان سعید بن المسیب یسأله ابن عمر – رضی الله عنهما – عن أقضیة أبیه ، تقدیرا من ذلک الصحابی الجلیل لسعة علم هذا التابعی الکبیر بأقضیة الصحابة .
ثم انتقلت علوم هؤلاء إلى شیوخ مالک من أهل المدینة ، فقام مالک بجمعها وإذاعتها على الجماهیر ، فنسب المذهب إلیه تأصیلا وتفریعا ، وانصاع له علماء کبار تقدیرا لقوة حججه ونور منهجه على توالی القرون ، ولو قام أحد هؤلاء العلماء المنتمین إلیه بالدعوة إلى مذهب یستجده لوجد من یتابعه من أهل العلم لسعة علمه وقوة نظره ، لکنهم فضلوا المحافظة على الانتساب إلى مذهب عالم المدینة ، حرصا على جمع الکلمة ، وعلما منهم بأن بعض المسائل الضعیفة المرویة عن صاحب المذهب تترک فی المذهب إلى ما هو أقوى حجة وأمتن نظرا برأی أصحاب الشأن من فقهاء المذهب ، حتى أصبح المذهب باستدراک المستدرکین لمواطن الضعف بالغَ القوة ، بحیث إذا قارعه أحد المتأخرین أو ناطحه فَقَدَ رأسه .
وهکذا باقی المذاهب للأئمة المتبوعین ، فها هی الکوفة بعد أن ابتناها الفاروق – رضی الله عنه – وأسکن حولها الفُصَّح من قبائل العرب ، بعث إلیها ابن مسعود – رضی الله عنهلیفقه أهل الکوفة فی دین الله قائلا لهم : إنی آثرتکم على نفسی بعبدالله .
وعبدالله هذا منزلته فی العلم بین الصحابة عظیمة جدا ، وهو الذی یقول فیه عمر : کنیف ملئ علما . وفیه ورد حدیث : ( إنی رضیت لأمتی ما رضی لها ابن أم عبد ) وحدیث : ( من أراد أن یقرأ القرآن غضا کما أنزل فلیقرأه على قراءة ابن أم عبد .
فقراءة ابن مسعود هی التی یرویها عاصم عن زر بن حبیش عنه ، کما أن قراءة علی بن أبی طالب – کرم الله وجهه – هی التی یرویها عاصم عن أبی عبدالرحمن عبدالله بن حبیب السلمی عنه .
فعُنی ابن مسعود بتفقیه أهل الکوفة من عهد عمر إلى أواخر عهد عثمان – رضی الله عنهم – عنایة لا مزید علیها ، حتى امتلأت الکوفة بالفقهاء .
ولما انتقل علی بن أبی طالب – کرم الله وجههإلى الکوفة ، سُرَّ من کثرة فقهائها جدا فقال : رحم الله ابن أم عبد ، قد ملأ هذه القریة علما .
ووالى بابُ مدینة العلم (یعنی علی رضی الله عنه) تفقیههم ، إلى أن أصبحت الکوفة لا مثیل لها فی أمصار المسلمین فی کثرة فقهائها ومحدثیها ، والقائمین بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربیة فیها بعد أن اتخذها على بن أبی طالب – کرم الله وجهه – عاصمة الخلافة ،
وبعد أن انتقل إلیها أقویاء الصحابة وفقهاؤهم ، وقد ذکر العجلی أنه توطن الکوفة وحدها من الصحابة ألف وخمسمائة صحابی ، سوى من أقام بها ونشر العلم بین ربوعها ، ثم انتقل إلى بلد آخر فضلا عن باقی بلاد العراق ، فکبار أصحاب علی وابن مسعود – رضی الله عنهما – بها لو دونت تراجمهم فی کتاب خاص لأتى کتابا ضخما ، ولیس هذا موضع سرد لأسمائهم ،

وقد جمع شتات علوم هؤلاء إبراهیم بن یزید النخعی ، وآراؤه مدونة فی آثار أبی یوسف ، وآثار محمد بن الحسن ، ومصنف ابن أبی شیبة وغیرها ، ویعد النقاد مراسیله صحاحا ، ویفضله على جمیع علماء الأمصار الشعبی الذی یقول عنه ابن عمر – رضی الله عنهما – حینما رآه یحدث بالمغازی : لهو أحفظ لها منی وإن کنت قد شهدتها مع رسول الله – صلى الله علیه وسلم - .
ویقول أنس بن سیرین : دخلت الکوفة فوجدت بها أربعة آلاف یطلبون الحدیث وأربعمائة قد فقهوا کما فی الفاصل للرامَهُرْمُزِیّ .
وقد جمع أبو حنیفة علوم هؤلاء ودوَّنها بعد أخذ وردّ سدیدین فی المسائل بینه وبین أفذاذ أصحابه فی مجمع فقهی کیانه من أربعین فقیها من نبلاء تلامیذه المتبحرین فی الفقه والحدیث وعلوم القرآن والعربیة ، کما نص على ذلک الطحطاوی وغیره .
وعن هذا الإمام الأعظم یقول محمد بن إسحاق الندیم ، الذی لیس هو من أهل مذهبه : والعلم برا وبحرا ، شرقا وغربا ، بعدا وقربا تدوینه رضی الله عنه .
ویقول الشافعی رضی الله عنه : الناس عیال فی الفقه على أبی حنیفة
ثم أتى الشافعی - رضی الله عنه – فجمع عیونا من المعینین ، وزاد ما تلقاه من شیوخه من أهل مکة کمسلم بن خالد ، الذی تلقى عن ابن جریج عن عطاء عن ابن عباس - رضی الله عنهما - ، وقد امتلأ الخافقان بأصحاب الشافعی وأصحاب أصحابه ، وملؤوا العالم علما ، وأهل مصر من أعرف الناس بعلومه وعلوم أصحابه حیث سکنها فی أواخر عمره ، ونشر بها مذهبه الجدید ، ودفن بها – رضی الله عنه -
ولا یتسع هذا المقال لبیان ما لسائر الأئمة من الفقهاء من الفضل على الفقه الإسلامی ، وهم على اتفاق فی نحو ثلثی مسائل الفقه ، والثلث الباقی هو معترک آرائهم ، وحججهم فی ذلک ومدارکهم مدونة فی کتب أهل الفقه .
فمذاهب تکون بهذا التأسیس وهذا التدعیم إذا لقیت فی آخر الزمن متزعما فی الشرع یدعو إلى نبذ التمذهب باجتهاد جدید یقیمه مقامها ،
محاولا تدعیم إمامته باللامذهبیة بدون أصل یبنی علیه غیر شهوة الظهور ،
تبقى تلک المذاهب وتابعوها فی حیرة بماذا یحق أن یلقب من عنده مثل هذه الهواجس والوساوس ، أهو مجنون مکشوف الأمر ، غلط من لم یقده إلى مستشفى المجاذیب ، أم مذبذب بین الفریقین یختلف أهل العقول فی عدِّه من عقلاء المجانین ، أو مجانین العقلاء ؟! .
بدأنا منذ مدة نسمع مثل هذه النعرة من أناس فی حاجة شدیدة على ما أرى إلى الکشف عن عقولهم بمعرفة الطبیب الشرعی .
قبل الالتفات إلى مزاعمهم فی الاجتهاد الشرعی القاضی – فی زعمهم – على اجتهادات المجتهدین ، فعلى تقدیر ثبوت أن عندهم بعض عقل ، فلا بد أن یکونوا من صنائع أعداء هذا الدین الحنیف ، ممن لهم غایة ملعونة إلى تشتیت اتجاه الأمة الإسلامیة فی شؤون دینهم ودنیاهم ، تشتیتا یؤدی بهم إلى التناحر والتنابذ والتشاحن والتنابز یوما بعد یوم ، بعد إخاء مدید استمر بینهم منذ بزغت شمس الإسلام إلى الیوم .
فالمسلم الرزین لا ینخدع بمثل هذه الدعوة ، فإذا سمع نعرة الدعوة إلى الانفضاض من حول أئمة الدین الذین حرسوا أصول الدین الإسلامی وفروعه من عهد التابعین إلى الیوم ، کما توارثوه من النبی – صلى الله علیه وسلم – وأصحابه – رضی الله عنهم أجمعین – أو طرق سمعه نعیق النَّیْل من مذاهب أهل الحق ، فلا بد له من تحقیق مصدر هذه النعرة واکتشاف وکر هذه الفتنة ، وهذه النعرة لا یصح أن تکون من مسلم صمیم درس العلوم الإسلامیة حق الدراسة ، بل إنما تکون من متمسلم مندس بین علماء المسلمین أخذ بعض رؤوس مسائل من علوم الإسلام بقدر ما یظن أنها تؤهله لخدمة صنائعه ومرشحیه ، فإذا دقق ذلک المسلم الرزین النظرَ فی مصدر تلک النعرة بنوره الذی یسعى بین یدیه ، یجده شخصا لا یشارک المسلمین فی آلامهم وآمالهم إلا فی الظاهر ،
بل یزامل ویصادق إناسا لا یتخذهم المسلمون بطانة ، ویلفیه یجاهر بالعداء لکل قدیم وعتیق إلا العتیق المجلوب من مغرب شمس الفضیلة ، ویراه یعتقد أن رطانته تؤهله – عند أسیاده – لعمل کل ما یعمل ، فعندما یطلع ذلک المسلم على جلیة الأمر یعرف کیف یخلص نیئة الإسلام من شرور هذا النعیق المنکر بإیقاف أهل الشأن على حقائق الأمور ، والحق یعلو ولا یعلى علیه .
فمن یدعو الجمهور إلى نبذ التمذهب بمذاهب الأئمة المتبوعین الذین أشرنا فیما سبق إلى بعض سیرهم – لا یخلو من أن یکون من الذین یرون تصویب المجتهدین فی استنباطاتهم کلها ، بحیث یباح لکل شخص غیر مجتهد أن یأخذ بأی رأی من آراء مجتهد من المجتهدین ، بدون حاجة إلى الاقتصار على آراء مجتهد واحد یتخیره فی الاتباع ، وهذا ینسب إلى المعتزلة ، وأما الصوفیة فإنهم یصوبون المجتهدین ، بمعنى الأخذ بالعزائم خاصة من بین أقوالهم من غیر اقتصار على مجتهد واحد .
وإلیه یشیر أبو العلاء صاعد بن أحمد بن أبی بکر الرازی – من رجال نور الدین الشهید – فی کتابه ( الجمع بین التقوى والفتوى من مهمات الدین والدنیا ) حیث ذکر فی أبواب الفقه منه ما هو مقتضى الفتوى ، وما هو موجب التقوى من بین أقوال الأئمة الأربعة خاصة ، ولیس فی هذا معنى التشهی أصلا ، بل هو محض التقوى والورع .
والرأی الذی ینسب إلى المعتزلة یبیح لغیر المجتهد الأخذ بما یروقه من الآراء للمجتهدین ، لکن أقل ما یجب على غیر المجتهد فی باب الاجتهاد أن یتخیر لدینه مجتهدا یراه الأعلم والأورع ، فینصاع لفتیاه فی کل صغیر وکبیر ، بدون تتبع الرخص – فی التحقیق – وأما تتبعه الرخص من أقوال کل إمام ، والأخذ بما یوافق الهوى من آراء الأئمة ، فلیسا إلا تشهیا محضا ، ولیس علیهما مسحة من الدین أصلا ، کائنا من کان مبیح ذلک .
ولذلک یقول الأستاذ أبو إسحق الإسفرایینی الإمام ، عن تصویب المجتهدین مطلقا : أوله سفسطة وآخره زندقة . لأن أقوالهم تدور بین النفی والإثبات ، فأنى یکون الصواب فی النفی والإثبات معا ؟ .
نعم ، إن من تابع هذا المجتهد جمیع آرائه فقد خرج من العهدة ، أصاب مجتهده أم أخطأ ، وکذا المجتهدون الآخرون ، لأن الحاکم إذا اجتهد وأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ، والأحادیث فی هذا الباب فی غایة من الکثرة .
وعلى اعتبار من قلد المجتهد خارجا من العهدة وإن أخطأ مجتهدُه ، جَرَت الأمةُ منذ بزغت شمس الإسلام ، ولا تزال بازغة إلى قیام الساعة - بخلاف شمس السماء فإن لها فجرا وضحى وغروبا – ولولا أن المجتهد یخرج من العهدة على تقدیر خطئه لما کان له أجر ، ولیس کلامنا فیه ، وکلام الأستاذ أبی أسحق الإسفرایینی عن المصوبة حق ، یدل علیه ألف دلیل ودلیل ، ولکن لیس هذا بموضع توسع فی بیان ذلک .
وأما إن کان الداعی إلى نبذ التمذهب یعتقد فی الأئمة المتبوعین أنهم من أسباب وعوامل الفرقة والخلاف بین المسلمین ، وأن المجتهدین فی الإسلام إلى الیوم کلهم على خطإ ، وأنه یستدرک علیهم فی آخر الزمن الصواب الذی خفی على الأمة منذ بزوغ شمس الإسلام إلى الیوم ، فهذا من التهور والمجازفة البالغین حد النهایة .
ونحن نسمع من فلتات ألسنة دعاة هذه النعرة بین حین وآخر تهوین أمر أخبار الآحاد الصحیحة من السنة ، وکذا الإجماع والقیاس ، بل دلالات الکتاب المعتبرة عند أهل الاستنباط .
فبتهوین أخبار الآحاد یتخلصون من کتب السنة من صحاح وسنن وجوامع ومصنفات ومسانید وتفاسیر بالروایة وغیرها ، وإذن فلا معجزة کونیة تستفاد منها ولا أحکام شرعیة تستمد منها ، فهل یسلک مثل هذه السبیل من سبل الشیطان غیر صنائع أعداء الإسلام ؟ .
على أن أخبار الآحاد الصحیحة قد یحصل بتعدد طرقها تواتر معنوی ، بل قد یحصل العلم بخبر الآحاد عند احتفافه بالقرائن ، بل یوجد بین أهل العلم من یرى أن أحادیث الصحیحینغیر المنتقدة – من تلک الأحادیث المحتفة بالقرائن .
وبنفی الإجماع یتخلصون من مذاهب جمهرة أهل الحق ، وینحازون إلى الخوارج المرقة ، والروافض المردة .
وبِرَدِّ القیاس الشرعی یسدون على أنفسهم باب الاجتهاد ومسالک العلة – على طرقها المعروفة المألوفة – منحازین إلى نفاة القیاس من الخوارج والروافض وجامدی أهل الظاهر .
وبتلاعبهم بدلالات الکتاب المعتبرة عند أهل الاستنباط یتخذون القیود الجاریة مجرى الغالب الملغاة باتفاق بین القائلین بالمفاهیم وغیر القائلین بها من صدر الإسلام إلى الیوم وسیلة لتغییر کثیر من الأحکام القطعیة ، ویجعلون للعرف شأنا غیر ما له عند جمیع فقهاء هذه الأمة ، خانعین لما ألقاه بعض مستشرقی الیهود بمصر فی عمل أهل المدینة ونحوه ، وکذلک صنیعهم فی المصلحة المرسلة التی شرحنا دخائلها بعض شرح فی مقالنا ( شرع الله فی نظر المسلمین ) .
وکل ذلک یجری تحت بصر الأزهر وسمعه ، ورجاله سکوت ، والسکوت على تلک المخازی مما لا یرتضیه الأزهر السنی الذی أسس بنیانه على التقوى منذ عهد الملک الظاهر بیبرس وأمرائه الأبرار ، حیث صیروه معقل العلم لأهل السنة ، بعد أن أحیوا معالمه ، ولم تزل ملوک الإسلام ترعاه على هذا الأساس إلى الیوم ، ولا یزال بابه مغلقا على غیر أتباع الأئمة الأربعة ، وکم أدروا علیه من الخیرات لهذه الغایة النبیلة ، وللملک فؤاد الأول – رحمه اللهید بیضاء فی إنهاض الأزهر على ذلک الأس القویم ، والحکومة الرشیدة المتمسکة بأهداب الدین الإسلامی لم تزل تسدی إلیه کل جمیل مراعاة لتلک الغایة السدیدة .
فإذا تم لدعاة النعرة الحدیثة فی قصر الاجتهاد على شخص واحد من أبناء العهد الحدیثبمؤهلات غیر معروفة – وتمکنوا من إبادة المذاهب المدونة فی الإسلام لهؤلاء الأئمة الأعلام ، ومن حمل الجماهیر على الانصیاع لآراء ذلک الشخص یتم لهم ما یریدون .
لکن الذی یتغنى بحریة الرأی على الإطلاق بکل وسیلة کیف یستقیم له منح الطامحین من أبناء الزمن مثله إلى الاجتهاد من الاجتهاد ، أم کیف یجیز إملاء ما یرید أن یملیه من الآراء على الجماهیر مرغمین فاقدی الحریة ، أم کیف یبیح داعی الحریة المطلقة حرما الجماهیر المساکین المقلدین حریة تخیر مجتهد یتابعونه باعتبار تعویلهم علیه فی دینه وعلمه فی عهد النور!!؟ . ولم یسبق لهذا الحجر مثیل فی عهد الظلمات !!! وهذا مما لا أستطیع الجواب عنه .
وقصارى القول أنک إذا قمت بدرس أحوال القائمین بتلک النعرة الخبیثة وجدتهم لا یألفون المألوف ، ولا یعرفون المعروف ، أعمت شهوة الظهور بصائرهم ، حتى تراهم یصادقون المتألبین على الشرق المسکین ، فنعرتهم هذه ما هی إلا نعیق الإلحاد المنبعث عن أهل الفساد ، فیجب على أهل الشأن أن یسعوا فی تعرف مصدر الخطر ، وإطفاء الشرر ، ولیست هذه الدعوة المنکرة سوى قنطرة اللادینیة السائدة فی بلاد أخرى منیت بالإلحاد وکتبت لها التعاسة ، والمؤمن لا یلدغ من جحر مرتین ، والعاقل من اتعظ بغیره ، والله یقول الحق وهو یهدی السبیل .

نظرات 1 + ارسال نظر
seysd mohamad 1391,12,08 ساعت 02:16 ب.ظ http://habibeyerasool.blogfa.com

سلام علیکم برادر مسلمان
چه جوابی در با ب این سوالات از مذهب خود دارید؟

برای نمایش آواتار خود در این وبلاگ در سایت Gravatar.com ثبت نام کنید. (راهنما)
ایمیل شما بعد از ثبت نمایش داده نخواهد شد